الأربعاء، 1 فبراير 2012

القضية الجنوبية والوفاء والإنتصار لها


بقلم: د/محمد قاسم الغزالي
مر زمن ليس بقصيرعن انقطاعي للإسهام في المجال الإعلامي وقد قررت الكتابة في الصحافة على أثر جلسة ذكريات مقيليه ترتبط بالجهود الوطنية والنضالية فيما سبق والجهود الحالية لما هو جاري في الوطن من أحداث ومتغيرات وقضايا.
 كانت تلك الجلسة قد نسق لها الأخ والصديق العزيز/ محمد عبدالله عفيف المشدلي مع أحد الأخوه الأعزاء الذي يعتبر قريبا له وهو صديق ورفيق قديم بالنسبة لي وهو الأخ / أحمد محسن أحمد المشدلي أحد الأقلام البارزة في صحيفة الأيام وصحيفة التحديث وحاليا صحيفة الأمناء وصحف أخرى وهو من الكوادر التي كانت بارزه في شركة الاتصالات بعدن ومن المناضلين الشرفاء في تنظيم الجبهة القومية وبعدها الحزب الاشتراكي اليمني سابقا وهو النجم الرياضي المعروف في نادي شمسان وحاليا الأمين العام لجمعية عدن الاجتماعية والخيرية وأحد المشاركين في المؤتمر الذي عقد في القاهرة بشأن القضية الجنوبية ، أما الأخ/محمد عبدالله عفيف فهو يشغل حاليا منصب نائب مدير عام صندوق الرعاية الاجتماعية بالبيضاء ،وعضو المجلس المحلي بالمحافظة ،وأحد الكوادر القيادية في المؤتمر الشعبي العام ، وكذالك الأخ /علي محمد بن محمد الغزالي الذي اجتمعنا في بيته بعدن.
 وقد وضعت قلمي بين أناملي لكي أكتب هذه السطور، ازدحمت القضايا والمواضيع التي تشغل البال التي لنا فيها آراء ومواقف،وقد رأيت
أن من القضايا الهامة التي تناولها حديثنا أنا وأخي أحمد محسن هي القضية الجنوبية ..
... وقبل كل ذالك أود أن أشير إلى أن عدن بشكل خاص والجنوب بشكل عام لها في قلبي وفي حياتي الشخصية والنضالية والعملية والعلمية أساساً محوريا لاسيما وقد قضيت ثلثي عمري فيها ، الأمر الذي يجعلني أنتمي إليها بمشاعري وفكري حتى اليوم وحتى أموت.. وقد قررت الإفراج عن قلمي ومشاعري وفكري وما يرتبط بها من أراء سبق أن طرحتها في مواقف مختلفة لعدد من القيادات وشخصيات يمنية جنوباً وشمالاً وظلت بعضها محبوسة بسبب تأويلات قصيري النظر الذين لم نسلم من أذاهم وضررهم سواءً بصورة مباشرة أوغير مباشرة ولعدم الأخذ ببعض الآراء المفيدة التي سبق طرحها من قبلي التي لو أنها أخذت في وقتها من قبل بعض القيادات الجنوبية لكانت بعض قضايا اليوم ليست بالطرح الذي هو جاري وذلك نتيجة لاستكبار تلك القيادات عن تلك الآراء. 
وفي هذه العجالة أود أن أقول حول ما يردد بشأن القضية الجنوبية أنه كان معروفاً بأنها تعني تحرير الجنوب اليمني من براثن الإستعمار البريطاني في إتجاه تحقيق وحدة الشعب والوطن اليمني كله في كيان دولة واحدة لليمن المعروف إمتداداته ومسميات الكيانات السياسية التي تشكلت فيه والظروف التاريخية المختلفة التي مر بها ، وقد أضاعت القيادات اليمنية في الحركة الوطنية لثورتي سبتمبر وأكتوبر فرص تحقيق ذلك الحلم بعد الإستقلال مباشرة في نوفمبر عام 1967م وتتحمل مسئولية ضياع هذه الفرصة جميع القيادات في الشمال وفي الجنوب حينها ، وضاع النقد لتلك القيادات إلاّ من تحليلات نقدية قدمها فقيد الوطن المناضل الوحدوي البارز الأستاذ المغفور له عمر الجاوي . الذي أظهر كثيراً من الأسباب لعدم تحقيق الوحدة بين شطري الوطن في ذلك الزمن . 
وقد برزت القضية الجنوبية من جديد بسبب ما ظهر من طرف القيادات الشمالية في دولة الوحدة بعد تحقيقها وبالذات بعد حرب عام 1994م وما أنتجته من ممارسات خاطئة وتسلط القيادات الشمالية بالذات والنهج الإعلامي المحموم والمزايد لتشويه وجرح التاريخ الوطني لنضال القوى الوطنية الجنوبية وبالذات في تنظيم الجبهة القومية والحزب الإشتراكي اليمني  بل وغيرها من القوى والرموز الوطنية  والقيادية ومحاولة التضليل للإيقاع وتغذية الضغائن بين القيادات الجنوبية وتسجيل وتصوير التاريخ على هوى المنتصر في حرب 94م بقدح المنهزمين والتركيز على بعض السلبيات التي حدثت في النظام الوطني الديموقراطي في الجنوب ، وتجاهل إيجابيات النظام في تحرير الجزء الجنوبي من الوطن الذي تحقق في نوفمبر عام 1967م ، وبناء نظام وطني وحد الجنوب في كيان واحد بدلاً من ثلاثة وعشرين سلطنة وإمارة ومشيخة وأعطى عدن مركزها الوطني الذي تستحقه في تاريخ وحياة اليمنيين السياسية جنوباً وشمالاً كونها كانت المأوى لجميع الوطنيين والمناضلين اليمنيين قبل وبعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر . 
ونؤكد جميع أدبيات القوى الوطنية اليمنية والمراجع الثقافية والصحفية لأقلام رموز تلك القوى من الشمال ومن الجنوب مكانة عدن و الجنوب بشكل عام في النضال الوطني وتبين مدى الترابط والتشابك والمصير المشترك لليمنيين جنوباً وشمالاً للتحرر من مختلف أشكال الظلم والتخلف سواءً من الإستعمار أوالإستبداد والإستغلال والقهر وكذا الفقر والجهل والمرض الذي بقي الشعب اليمني يرزح تحته قروناً من الزمن ويناضل في سبيل تحرره وتقدمه وتطوره للحاق بشعوب وأمم ودول العالم في المحيط العربي والإسلامي والدولي . 
وقد جسد النظام الوطني الديموقراطي في جنوب الوطن بعد الاستقلال الطابع المدني في أجهزة الدولة ومؤسساتها التي قل وجود نظام مثله في المنطقة العربية أو غيرها التي كانت غالبية قياداتها عسكرية ومنها النظام الذي جاء بعد ثورة 26سبتمبر1962م في شمال الوطن وحتى في ظل نظام الوحدة . 
وقد كانت محاربة التخلف بكافة أشكاله الاجتماعية والثقافية عنواناً بارزاً في نهج النظام في جنوب الوطن وتجسد بصورة ساطعة في سلوكيات جميع قياداته حزبياً ورسمياً ولم يشعر أي فرد أصله من شمال الوطن بأنه شمالي ليست له حقوق في جميع الجوانب بما فيها السياسة بل وقد تقلد الكثير منهم مواقع قيادية أساسية سواء في التنظيم السياسي – الجبهة القومية أو الحزب الاشتراكي اليمني لاحقاً أو أجهزة ومؤسسات الدولة . وليس أدل على ذلك أن المناضل عبد الفتاح إسماعيل شمالي الأصل كان على رأس قيادة الدولة والحزب في الجنوب ليس ذلك فحسب بل وكان عدد غير قليل من قيادة الجبهة القومية والحزب الإشتراكي اليمني هم من أصول شمالية وتبوء عدد كبير منهم وزارت ومؤسسات . وكانت أجهزة رئاسة الدولة ومجلس الشعب الأعلى ورئاسة الوزراء والوزارات والمؤسسات الأساسية للدولة ومنها أيضاً الخدمية والإنتاجية تستوعب في قياداتها وموظفيها من ذوي الأصل الشمالي للوطن دون منية من القيادات الجنوبية او الشعب في الجنوب ولا توجد اية توجسات ولا تحسسات وبإختصار تجسدت حقوق المواطنة المتساوية ومقياس الرجل المناسب في المكان المناسب من دون وساطات ولا غيرها حيث أن مقياس الأداء في العمل هو المقياس الذي تتم في ضوئه تبوء وإسناد المناصب الأساسية والقيادية في أجهزة الدولة ومؤسساتها . 
ويمتد فضل عدن والجنوب اليمني على أبرز قيادات الدولة في النظام الوطني الشمالي في اليمن بعد قيام الجمهورية لأن عدن والجنوب كانت المأوى والحضن الدافئ لتلك الكوادر والقيادات حيث توفرت الفرص والبيئة لتطورهم علمياً وثقافياً قبل وبعد الاستقلال ومن هؤلاء شهيد الوطن الأستاذ القدير/عبدالعزيز عبدالغني وفقيد الوطن الأستاذ الدكتور والمربي القدير/حسين على الحبشي والأستاذ القدير العيني وغيرهم كثير . ناهيك عن أبرز الأدباء والفنانين والمثقفين والكادرات.
وقد مضى النظام الوطني الديمقراطي في جنوب الوطن اليمني منذ الإستقلال 67م وقطع شوطاً لا بأس به في إعادة بناء النسيج الإجتماعي والثقافي من خلال محاربة مظاهر وأمراض الشطرية والمناطقية والقبلية والقروية والتآمرية بالرغم من الإرث الثقيل الذي خلفه الإستعمار والإمامة لأبناء الجنوب والشمال ولعل أبرز قرارات الجبهة القومية في بداية الإستقلال هو إنهاء الثأر وحمل السلاح في المدن ، وثبتت سلطة الدولة تجاه أي حوادث جنائية مثل القتل او غيرها من خلال اجهزة الأمن والقضاء وبقيت في الجانب السياسي شوائب لتلك الظواهر التي ظلت ناراً تحت الرماد طوال فترة النضال لإنهاء جميع تلك الظواهر والأمراض ذات الطبيعة المناطقية والقبلية والشطرية والتي برزت بشكلها المؤسف والذي لم يكن أحد يتوقعه في أحداث 13يناير عام 1986م ولها جذور منذ 13يناير 1966م في إطار تنظيم  الجبهة القومية وفي المجتمع ومع الأسف الشديد أن جميع الدعوات لعمليات التصالح والتسامح لم تلقَ لا الصدور ولا العقول التي تستجيب لذلك إلا شكلياً و بصورة غير جدية، فكل مجموعة قيادية جنوبية أو شخصيات قيادية لها نظراتها مع الإجماع على القضية الرئيسية في التاريخ الوطني والنضالي لها جميعاً وهي قضية الوحدة التي كانت بارزةً في شعارات التنظيم السياسي للجبهة القومية ومن ثم الحزب الإشتراكي اليمني فلا يختلف عليها إثنان غير أن الرؤية كانت مشوشة لدى القيادة الجنوبية التي كتب لها توقيع إتفاق الوحدة مع القيادة في شمال الوطن كونها كانت الواجهة في السلطة في الجنوب والتي غاب عنها إعطاء الحق في المشاركة في هذا القرار الوطني الهام للقيادات النازحة في شمال الوطن الأمر الذي جعل لديها تشوش في طبيعة وشكل النظام والوحدة بالرغم من الجهد الذي قد بذل في السابق في إطار اللجان التي تحضر لعملية الوحدة من خلال الدستور والجوانب الأخرى التي تولتها لجان مختلفة على مدى أكثر من عقدين من الزمن منذ 1972م وحتى 22مايو 1990م وقد اهتمت القيادات الجنوبية التي وقعت على اتفاق الوحدة مع القيادات الشمالية على مواقعها الجديدة في دولة الوحدة والامتيازات التي تمنحها تلك المواقع وأبهرها واقع النظام في شمال الوطن والعروض والتسهيلات التي كفلتها امتيازات اتفاقيات الوحدة والتي قدمتها القيادة الشمالية للقيادات الوافدة إلى صنعاء حيث تكونت لدى القيادات في الشمال كم استخباراتي هائل على وضع القيادات الجنوبية ونفسيتها واهتمامها و حاجتها من خلال القصور والفلل والأموال والعقارات والأراضي وإهمالها لمصالح الشعب في الجنوب ولكوادرها وقواعدها والعبور على عملية التقييم الموضوعي للجوانب الإيجابية في نظامي السلطتين في الجنوب وفي الشمال قبل الوحدة في النواحي الاقتصادية والمالية والإدارية كأنظمة وتجارب وتركيزها أيضا على إقصاء القيادات والكوادر الجنوبية النازحة إلاّ ما ندر في معادلة اتفاق الوحدة مع القيادات الشمالية ، وانتبهت القيادة الجنوبية بعد مرور ثلاثة أعوام من تحقيق الوحدة عندما شعرت أن ممارسات القيادة من الطرف الشمالي في نظام الوحدة تشعرها بأنها قد طوتها تحت إبطها ، منطلقة من تحليلات لتلك القيادات الجنوبية التي فرطت برفاق الأمس ونست مبادئ وأهداف كانت تدعيها واهتمت بذاتها فكان التصرف معها بالاستهانة ولذلك كانت ردود الفعل التي أنتجت حرب 1994م غير أن ما لم يكن في الحسبان هو الدعوة إلى الانفصال وتحطم كيان الوحدة الذي أسهموا في بنائه الأمر الذي أحدث ردود فعل قوية على الصعيد الوطني اليمني وكانت فرصة للقيادة الشمالية في الوحدة أن تستثمر ذلك ووجدت في استخدام بعض القيادات النازحة والقوة العسكرية النازحة منذ 1986م في حرب 1994م وانطوت تلك القيادات المدنية والعسكرية في خدمة مصالحها الذاتية بما فتح لها من فرص تبوء مواقع ومناصب قيادية في حزب المؤتمر وسلطة الدولة المدنية والأكاديمية والعسكرية حيث جيرت تماماً لحساب رأس النظام الأمر الذي سمح عملية الاستباحة للجنوب وحصدت تلك القيادات الجنوبية النازحة مع غيرها من القوى والقيادات الشمالية المدنية والعسكرية و المشائخية من المكاسب المالية والعقارية والجاه والسلطة وباتت مبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر في طي النسيان وحل محلها قيم ومبادئ الفساد الشامل ، وأصبحت تلك القيادات الجنوبية في السلطة لا يعنيها معاناة الجماهير الجنوبية وما لحق من ضيم وقهر لقيادات منها وكوادرها واستباحة كل مقدرات الجنوب وتدمير البنى المؤسسية لأجهزة الدولة والمؤسسات الإقتصادية والقيم في السلوكيات الإجتماعية والثقافية ، بل وأسهم البعض منهم في التنظير وتفصيل الصيغ الدستورية والقانونية المعدلة من حين لآخر غير عابئين باتفاقات الوحدة بل والدفاع الإعلامي بما يناسب النهج الذي يريده رأس النظام الوحدوي المشوه.
 وتحولت القيادات الجنوبية التي غادرت مواقعها في السلطة إلى قيادات محنطة اهتمت مثل قيادات السلطة بأوضاعها الذاتية في البلدان التي نزحت إليها أو انتقلت إليها وبعضها أعلن الاعتزال السياسي لفترة طويلة كما أشيع . 
وأصبحت جميع القيادات الجنوبية بعد حرب 1994م التي هي في سلطة النظام والتي في الخارج مهتمة جميعها بأوضاعها الخاصة . في الوقت الذي كانت قيادة رأس دولة الوحدة تخطط لإضعاف جميع القيادات الجنوبية سواءً في السلطة أو خارجها بكل السبل والوسائل وترتيب أمور السلطة في الاتجاه الذي أصبح يمهد الطريق للطموحات والنزعات والشهوات الذاتية لرأس النظام ، و حتى تتمكن من استخدام القوى والأحزاب الأخرى لورق سياسية حسب الحاجة ، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من ترتيبات السلطة بالتمجيد لسلطة الفرد والعائلة والقبيلة في اليمن . 
ولكوننا نخوض في القضية الجنوبية فإن القيادات الجنوبية السياسية التي أصبحت خارج السلطة ومعظمها خارج الوطن تنبري وهي متهالكة ومنهكة من عملية النضال وتحولت إلى مستثمرين سياسيين وأصبحت أطروحات بعضها تسئ وتشوه نضالات الجماهير الجنوبية ، بل وتسئ إلى التضحيات الكبيرة التي قدمتها الجماهير الشعبية في الجنوب في مختلف المراحل دفاعاً عن الأماني والأهداف النبيلة التي دفعتها ثورة 14 أكتوبر وما حققته من إنجازات إيجابية انعكست مردوداتها الإجتماعية والثقافية والسياسية على الجماهير اليمنية جنوباً وشمالاً وكانت نضالات الجماهير الجنوبية وتضحياتها مع وعلى تلك القيادات وتحت قيادتها ، أما اليوم فقد أصبحت تلك القيادات بعيدة عن حركات الجماهير ومتخلفة عنها وبعيداً عن الوطن وهي تعيش على ما كسبته من مال ومجد وشهرة ومواقع قيادية فيما سبق في الحزب والسلطة غير معايشة للواقع ، وقد مكثت فترة لا صوت لها لمدة زمنية طويلة عدا من بعض الظهور الإعلامي لبعضها كي تبقى حية سياسياً، كما أن تلك القيادات لازالت تعاني من التباينات في الرؤى ولن تستطيع أن تقوم بدور القائد السياسي والثوري على الأرض ويؤدي جهدها المتباين إلى التمزيق لحركة الجماهير على الأرض في الجنوب . 
ومن الأطروحات التي ظهرت ما بعد حرب 1994م ولا زالت تتجدد الآن هي الدعوة إلى الإنفصال أو بما يسمى بفك الارتباط تدميراً للوحدة التي ساهمت تلك القيادات الجنوبية في بنائها المشوه الأمر الذي أدخلها في سجل التاريخ اليمني من أوسع أبوابه ، كما ظهرت تحت هذه الدعوة أطروحات ذات نكهة تعود لبعض مشروعات الإستعمار البريطاني مثل دولة الجنوب العربي وربما العودة إلى نسف ما قد تحقق في 1967م عند الإستقلال من توحيد مناطق الجنوب أي العودة إلى موضوع عدن للعدنيين والسلطنات والإمارات والمشيخات . 
أما الدعوات لبناء نظام فيدرالي فهو مقبول وقد فات طرحه عند مناقشة تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990م على الأساس الثنائي أي من الدولتين السابقتين في الجنوب والشمال حينها ، أما اليوم فإنه غير منطقي وغير موضوعي لأن عجلة التاريخ تسير إلى الأمام ولا تعود إلى الوراء. 
ولكن مبدأ النظام الفدرالي للدولة والدعوة إليه كمبدأ أمراً مقبول من خلال تصحيح وضعية النظام القائم من جميع النواحي وهو مبدأ جدير بالاحترام ولكن على أساس ثلاثة أو خمسة أقاليم في اليمن . وفي وقت مبكر قدم الشيخ المناضل/علي عبدربه العواضي منذ أزمة 94م قبيل الحرب مساهمات محددة وملموسة لبناء نظام الدولة السياسي في اليمن على أساس عدد من الأقاليم كجزء من التصحيح لنظام الوحدة الاندماجي . ولازال يؤكد على دعوته تلك كما ظهرت في المقابلة التي نشرت في صحيفة المصدر الغراء في تاريخ 3يناير2012م وعلى هذا المستوى من التفكير الواقعي بأوضاع اليمن جنوبه وشماله أعددت مساهمة للتعديلات الدستورية التي تعتبر أهم ما تضمنته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهي المفتاح الرئيسي لحل أبرز القضايا السياسية في الثورة اليمنية الأم لما سبقها من ثورات و سوف أسعى لنشرها في الوقت المناسب. 
وهو ما نادت وتنادي به قوى الثورة اليمنية الناهضة اليوم التي بدأت شرارتها في 7/7/2007م في الجنوب تحت مسمى الحراك الجنوبي بقيادة المناضل حسن أحمد باعوم والقيادات العسكرية التي أقصيت عن مواقعها في المؤسسات وفي الأجهزة العسكرية وفي مقدمتهم المناضل ناصر على النوبه بعد حرب 1994م وعدد من القيادات المدنية وتطورت بجهود نضالية لجميع القوى الشبابية والشعبية في الشمال والجنوب على حد سواء تحت لواء القيادات الشبابية والشعبية على أثر الثورات الشعبية العربية المنتصرة في تونس ومصر وليبيا والثورة المستعمرة في سوريا ،والمسيرة الثورية العربية مستمرة لإنهاء الأنظمة العربية الاستبدادية التي ركعت أمام مشيئة القوى الاستعمارية الغربية والأمريكية وأجهضت نضالات الشعوب العربية وأخمدتها لعقود من الزمن وخاصة بعد القضاء على زعيم ورائد الأمة العربية جمال عبدالناصر طيب الله ثراه وعطر ذكره .
 وبقدر النقد الذي أوردته للقيادات الجنوبية بالذات حنقاً مني عليها من جهة ومن جهة أخرى على الجماهير اليمنية شمالاً وجنوباً التي وقفت إلى جانب تلك القيادات في منعطفات وفرص تأتت لعملية التغيير الثوري لأوضاع اليمن واليمنيين  عموماً تحت ريادة تلك القيادات ومعها القيادات الخيرة من ذوي الأصل الشمالي وبالتحديد عند توقيع اتفاقيات الوحدة المختلفة وأخرها في 22 مايو 90م وخلال أزمة 93 ـ 94م وعند توقيع وثيقة العهد والاتفاق قبل الحرب حيث كانت شعبية تلك القيادات في شمال الوطن من أقصاه إلى أقصاه أكثر مماهي في جنوب الوطن ، ولكنها صدمت عند الإعلان عن الانفصال ، والحقيقة أن عدد من القيادات المناضلة ومنهم (علي ناصرمحمد\ياسين سعيد نعمان\ محمد علي أحمد ـ صالح عبيد أحمد ـ محمد غالب أحمد ) لهم آراء وتصريحات ومواقف متوازنة وموضوعيه تحظى باحترام كثير من جماهير اليمن ومثقفيها .
وهنا وقفة...! أمام مؤتمر القاهرة للقيادات التي حضرت مناقشة القضية الجنوبية ، وبعيداً عن الأجواء التي اكتنفت التحضير للمؤتمر ووقائعه أجد أن الوثيقة الأساسية التي قدمت للمؤتمر والتي تأتى لي الإطلاع عليها من خلال صحيفة الوفاق بالرغم من كل شيء تعتبر من وجهة نظري وثيقة واقعيه وتحمل نفس ديمقراطي لاستيعاب مختلف آراء القوى والاتجاهات سواء في الجنوب أو في الشمال من الوطن اليمني والتي تدعو إلى إعادة النظر في صياغة نظام وشكل دولة الوحدة على أساس فدرالي الذي ضاعت الفرصة للنظر فيها قبل 22 مايو 90م.
والحقيقة أنني أثمن عالياً ما احتوته كلمة رئيس اللجنة التحضيرية صالح عبيد أحمد وبالذات إشارته الهامة إلى تحرير العقل السياسي الجنوبي مما علق به من رواسب وصراعات ايديولوجيه مزقت النسيج الاجتماعي خلال العقود الماضية والتأكيد على التركيز الكامل للمستقبل من خلال روح القبول بالأخر واحترام النقد ونبذ العنف والتخوين وإعلاء لغة التصالح والتسامح وأقدر عالياً ما احتوته كلمة الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وبالذات إشارته أنه شخصياً لايسعى من وراء عمله وجهده الذي يقوم به مع من يشاركونه الرؤية المقدمة للمؤتمر في القاهرة إلى أي طموح شخصي أو أي دور سياسي في المستقبل وإشارته أيضاً أن دورهم هو فتح الطريق أمام جيل المستقبل لتحمل مسؤولية بناء الوطن وتأكيده بأن نضال الشعب وتضحياته سوف تفرز قيادات شابه تقود المسيرة للوصول بالوطن إلى بر الأمانٍ..
ولعل أهم ماتضمنته كلمات المذكورين هي أن الشعب هو صاحب كلمة الفصل في قضاياه المصيريه.
كما أن أحد قرارات المؤتمر الخاص بتشكيل لجنه لمتابعة جهود التواصل مع جميع الأطراف والقوى التي تهمها القضية الجنوبية ولها آراء تجاهها يعتبر من القرارات الناضجة لاستكمال الجهود المبذولة .
أما ردود الأفعال والتصريحات التي صدرت من بعض القياديين الجنوبيين الداعمين للانفصال وما يسمى بفك الارتباط والمواقف التي استوعبتها تلك التصريحات حول مؤتمر القاهرة بأنه لايعبر عن القضية الجنوبية ولا من حضروه من القيادات الجنوبية وغيرها.
كما أن بعض الأطروحات الصحفية لبعض المثقفين التي تقطر أقلامهم آلاماً وقهراً وحزناً لوضع عدن والجنوب وبعضها مليئة بالتشاؤم والانطواء أود أن أنصح تلك الأقلام ورموزها المثقفة بأن أسلوب التباكي غير مجدي والانتقال إلى مرحلة تقديم أدوار قياديه فعليه بين صفوف الجماهير بعملية التغيير بالرغم أنني أحيي دقة التحليلات للواقع القائم سواء في عدن والجنوب أو اليمن عموماً الذي تتناوله أقلام تلك الرموز الثقافية وأود أن أحيي الأقلام التي تقدم أطروحات تحليليه للجهود المبذولة وللمسار في القضية الجنوبية باتجاه توحيد تلك الجهود والقيادات المختلفة التي لازالت لها بصمات لا تنكر على حركة الجماهير اليمنية في الجنوب بالذات وتأكيدها على أهمية توحيد الرؤية لمسار النضال تجاه القضية الجنوبية وتوحيد القيادة وفي الوقت الذي ندعو فيه إلى وحدة الرؤية وتوحد القيادة يؤسفنا ماسمعنا عن الفشل الذي حدث في لقاء بيروت بين قيادات جنوبيه لها وزنها مما يدعو للإحباط تجاه إيجاد الحامل السياسي للقضية الجنوبية الموحد.
والســـــؤال الكبيــــر هو : هل لازالت القيادات الجنوبية التي بعضها في الخارج والبعض في الداخل هل لازالوا قياديين للحزب الاشتراكي اليمني أم لا ؟
والذي نسمعه بأن الحزب الاشتراكي اليمني ضمن إطار مايسمى المشترك يدعي بأن مواقفه داعمه لنضال الجماهير في الجنوب ، وأنه يتبنى مايسمى بالقضية الجنوبية في نضاله سواء عبر المشترك أوبدونه.
والســــــؤال الأخــــر : لماذا لا تعود تلك القيادات الجنوبية ( قيادات الاشتراكي سابقاً ) لكي تعمل في ظلال ومن داخل الحزب وعلى الأرض سواء في الجنوب أو الشمال اليمني .....وإذا كانت تلك القيادات خائفة فلماذا لا تسعى لتوفير الحماية المطلوبة لنشاطها مع الجماهير وبسياج الجماهير التي تقدرها . 
وسؤال آخر هل رؤاها تختلف عن رؤى الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان أكبر حزب سياسي يحظى بتأييد جماهير اليمن شمالاً وجنوبا ، وإذا كانت فعلاً تختلف في رؤاها عن الحزب الإشتراكي اليمني فلماذا لا تدعوا إلى تشكيل حزب سياسي يعبر عن رؤاها الجديدة ومن يتفق معها . 
لقد طرحنا على القيادة النازحة في شمال الوطن اليمني بعد أحداث 13يناير1986م أهمية تغيير تسمية الحزب الإشتراكي اليمني وتغيير منطلقاته ومرتكزاته الفكرية والنظرية وبالتالي برنامجه السياسي غير أن بعض المزايدين والمندسين استفزوا لهذا الطرح وعبروا عن تمسكهم بفكر الإشتراكية العلمية واستغربنا بعد ذلك أنهم كانوا من أوائل من انتقل وبسرعة وبفرحة إلى قيادة المؤتمر الشعبي العام ، ونحن نشك أن هذا الإنتقال تم بناءاً على الإيمان بالميثاق الوطني للمؤتمر الشعبي العام ، ووجدنا أنه دليل نظري وطني خالص برز بفكر وبجهد يمني وقد  درسناه بتمعن عندما كانت نيتنا الدخول في عضوية المؤتمر الشعبي العام ، ووجدنا أنه استخدم من قبل المؤتمر الشعبي العام لتضليل الجماهير فقط مع الأسف ، أما التطبيق على الصعيد الحزبي وعلى الصعيد الرسمي فالوقائع تدل البعد الشاسع بين النظرية والتطبيق وهذا ما أبعدنا عن المؤتمر الشعبي العام وليس بالضرورة عن ميثاقه. 
لقد فاتت فرصة لعملية تحديث وتطوير المرتكزات الفكرية والنظرية للحزب الإشتراكي اليمني عندما تم الإعلان عن تشكيل لجنة تحضيرية من قيادات الحزب النازحة وعدد من الكوادر في الحزب لتأسيس أو إنشاء الحزب الديمقراطي الوحدوي اليمني كإمتداد نضالي لمسيرة الحزب الإشتراكي اليمني النضالية برؤى جديدة تستجيب للواقع اليمني والمستجدات على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي في جميع النواحي . 
وفي ذلك الوقت تشكلت من اللجنة التحضيرية ثلاث لجان أساسية لإعداد وثائق الحزب الذي يحمل التسمية الجديدة والمنبثق من رحم الحزب الإشتراكي اليمني وهذه اللجان الثلاث هي :- لجنة إعداد البرنامج التي كنت عضواً فيها ، ولجنة إعداد التقرير السياسي ، ولجنة إعداد النظام الداخلي . 
وقد تضمن البرنامج الجديد للحزب الديمقراطي اليمني الوحدوي منطلقات فكرية جديدة تختلف عن برنامج الحزب الإشتراكي اليمني مستوعبة لواقع اليمن والمستجدات على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية . 
وتضمن التقرير السياسي تقييماً لتجربة الحزب الإشتراكي اليمني وسياساته وتقييم مخرجات تلك السياسات على كافة الأصعدة الرسمية للدولة ، وعلى المستوى الجماهيري وعلى الصعيد الوطني والإقليمي والدولي . 
وتضمن النظام الداخلي تحديد علاقات ديمقراطية واسعة داخل الحزب المنشود وفجأة تم تحطيم كل ذلك الجهد التحضيري بمواقف لبعض القيادات التي تعتبر من القيادات المندسة والإستخبارية التي استهدفت رئيس اللجنة التحضيرية للحزب الأستاذ المناضل المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ /علي عبدالرزاق باذيب . والبعض الآخر رفض تحمل مسئوليته بالرغم من عرض كوادر اللجان التحضيرية على تقديم دعمها وبالذات القيادي البارز والمناضل حسن أحمد باعوم في مؤازرة رئيس اللجنة التحضيرية في إستكمال المهام التحضيرية لعقدالمؤتمر التأسيسي للحزب . وجانب آخر توقف رؤساء اللجان التحضيرية لإستكمال مهام اللجان ، وقيام بعض قيادي الحزب الإشتراكي اليمني المشاركين في اللجان بإتهام الكوادر بالتآمر عليهم لإقصائهم من القيادة .   
وتوجهت بعض القيادات السابقة في الحزب الإشتراكي اليمني وفي اللجان التحضيرية للحزب الذي كان من المزمع إنشاؤه والذي سيكون حزباً معارضاً قوياً في الساحة اليمنية وحسب الدور المرسوم لهم في إفشال إقامة الحزب الجديد ولذلك ظهروا في مراكز قيادية في المؤتمر وفي الحكومة وفي مراكز أكاديمية بعد إعلان الوحدة وخاصة بعد حرب 1994م .
وأجد نفسي أتجه لطرح السؤال التالي للقيادات الجنوبية خاصة التي هي في الخارج هل حقاً أصبحت تفكر بحصر نضالها على مستوى الجنوب ، وهل تعقّدت من القيادة في الشمال أو من الشعب في الشمال علماً بأن القيادة في دولة الوحدة من شمال الوطن لا يمثلون الشعب اليمني في الشمال وإنما هم مفروضين عليه ؟؟؟؟؟؟ 
وسؤال آخر هل تلك القيادات تؤمن بأن الشعب اليمني شعبين وليس شعب واحد ؟؟؟؟؟
وهل أصبحت تلك القيادات متنكرة لمبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر ؟؟؟؟؟ 
فإذا كان الأمر كذلك فياأسفــــآه على تاريخهم السابق . 
ومع ذلك أود أن أؤكد على ضرورة أن تخرج القيادات الجنوبية أولاً من خلافاتها وتحقق عملية التصالح والتسامح بصدور واسعة وعقول أوسع وأن تقدم لبعضها البعض التنازلات وأن تكون الشفافية والصراحة هي أساس لردم الهوة التي فيما بينها من جهة ومع الجماهير الشعبية حتي تحترمها الجماهير اليمنية في الوطن اليمني كله من جهة أخرى و حتى تؤازرهم فيما يدعو إليه إن كان موضوعياً وأن تعترف بالأخطاء التي وقعت فيها وتحت مسئوليتها الوطنية في الحزب والدولة وتجاه بعضها البعض .
فإذا تمكنت من تجاوز ذواتها وتبصرت دورها الجديد الذي ترسمه لنفسها كمستشار أمني للقيادات الجديدة التي برزت دون فرض وصايتها على القرارات التي ترسمها تلك القيادات الشابة الجديدة وأن تقبل بأي دور يسند لها من تلك القيادات الجديدة واحترام رأي الجماهير الشعبية بها . 

E_mail/ dmgazaly@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق